في ظل موجة من المظاهرات الداعمة للفلسطينيين في أنحاء مختلفة من العالم، شهدت العاصمة البريطانية لندن السبت مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف. وتأتي هذه المظاهرة في اليوم الـ 36 من التصعيد المتواصل بين حركة حماس وإسرائيل. وأثارت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان جدلا بعد وصفها الاحتجاجات بأنها “مسيرات كراهية”.
تظاهر نحو 300 ألف متظاهر في العاصمة البريطانية لندن في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين وتجديد المطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة، فيما انتشرت الشرطة لمنع وقوع صدامات مع مظاهرة مضادة.
وقد انطلقت المظاهرة التي ينظمها “ائتلاف أوقفوا الحرب” تحت شعار “المسيرة الوطنية من أجل فلسطين”، بعد التوقف دقيقتي صمت تكريما لقتلى الحروب البريطانيين في يوم “ذكرى الهدنة” أمام نصب القبر الفارغ التذكاري بوسط لندن الساعة 11,00 ت غ.
وقال متحدث باسم الشرطة إن التقديرات تشير إلى أن نحو 300 ألف شخص شاركوا في التظاهرة. ورفع المتظاهرون أعلاما فلسطينية ولافتات تطالب ب”وقف قصف غزة” بينما هتفوا “أوقفوا إطلاق النار الآن” و”الحرية لفلسطين”، بعد أكثر من شهر على هجوم غير مسبوق لحركة حماس على إسرائيل قُتل فيه أكثر من 1200 شخص واحتجز نحو 240 آخرين رهائن، وفق إسرائيل.
وترد إسرائيل بحملة عسكرية أودت بأكثر من 11,000 شخص في غزة، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس في القطاع الساحلي.
ومع انطلاق المسيرة، هتف المتظاهرون “الحرية لفلسطين” و”وقف إطلاق النار الآن”. وقال شيراز بوبرا (41 عاما) الذي جاء من ليستر بوسط بريطانيا لوكالة فرانس برس “انسوا الموقف السياسي، انسوا كل شيء آخر، لا يمكنك أن تقف مكتوف اليدين بينما يُقتل الناس”، مضيفا أنه سيشارك كل أسبوع حتى يتم وقف إطلاق النار.
وقال غافين سيرلي (58 عاما) من هاستينغز في جنوب بريطانيا، إنه جاء “لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، بينما يحدث ظلم كبير”. وأضاف القس الكاثوليكي الأب جون ماكغوان “أتعاطف مع الفلسطينيين لأن أرضهم محتلة ومحتلهم يمكن أن يكون قاسيا”، معربا عن أمله في التوصل إلى حل الدولتين.
اعتقالات وصدامات
وكانت قد اعتقلت شرطة مدينة لندن ما مجموعه 100 شخص في مسيرات سابقة مؤيدة للفلسطينيين، بتهم بينها تأييد حركة حماس المصنفة في بريطانيا على قوائم الإرهاب، وعلى خلفية جرائم كراهية.
غير أن مسيرة السبت أثارت قلقا لتزامنها مع “يوم الهدنة” الذي يحيي انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1918، وعلى وقع انتقادات وجهت للشرطة لعدم حظرها التظاهرة.
ونُصبت حواجز معدنية في محيط المناطق التي تتضمن النصب الأكثر أهمية، وحُددت منطقة حظر فيما مُنحت الشرطة صلاحيات لاعتقال أي متظاهر يحاول التجمع هناك.
وأمام نصب القبر الفارغ في وايتهول، وقف آلاف الأشخاص منحني الرأس وقد وضعوا دبوس زهرة الخشخاش، رمز المناسبة خلال مراسم مهيبة فيما أقيمت مراسم في أنحاء البلاد.
هذا، وشهدت المظاهرة صدامات محدودة قرب النصب، عندما حاول متظاهرون من مسيرة مضادة كان العديد منهم يرتدون اللون الأسود ووجوههم ملثمة وآخرون يلوحون بالعلم البريطاني، اختراق طوق الشرطة.
وقالت الشرطة لاحقا إنها ألقت القبض على 82 متظاهرا يقومون باحتجاج مضاد من أجل “منع الإخلال بالسلم”، مشيرة إلى أنهم “حاولوا الوصول إلى مسيرة الاحتجاج الرئيسية”. وأضافت “سنواصل اتخاذ الإجراءات لتجنب الفوضى التي من المحتمل أن تحدث إذا حدث ذلك”.
وذكر رئيس العمليات في شرطة لندن لورانس تايلور أن التظاهرة المضادة ستتضمن على الأرجح مشجعين لكرة القدم من مثيري الشعب، وأن “من المرجح” أن تستخدم الشرطة القوة في مرحلة ما ضد “جيوب من المواجهات”.
ورُشق عناصر الشرطة بمقذوفات في الحي الصيني (تشاينا تاون)، وفق ما أعلنت شرطة مدينة لندن على منصة إكس.
وكانت قد ذكرت وسائل إعلام بريطانية إن رئيس مجموعة “رابطة الدفاع الانكليزية” اليمينية المتطرفة تومي روبنسون، كان من المشاركين في المظاهرة المضادة.
مظاهرة “لا تنم عن الاحترام”…
ومن جانبه، انتقد رئيس الوزراء ريشي سوناك المظاهرة، ووصفها بأنها لا تنم عن الاحترام وسط مخاوف من أنها قد تثير أعمال عنف في يوم الهدنة.
ويذكر أن بريطانيا احتفلت السبت بيوم الهدنة الذي انتهت فيه الحرب العالمية الأولى، تكريما لذكرى قدامى المحاربين.
وتعتبر “المسيرة الوطنية من أجل فلسطين” هي الرابعة التي تشهدها لندن منذ بدء التصعيد غير المسبوق بين حماس وإسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لكن وزراء قالوا إنه يجب إلغاؤها بسبب تزامنها مع يوم الهدنة.
وكانت قد أفادت الشرطة أنها ستنشر ما يقرب من ألفين من أفراد الأمن، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد أي اضطرابات يسببها المشاركون في المسيرة أو احتجاج مضاد من قبل جماعات يمينية معارضة وقدامى المحاربين.
وقال لورانس تايلور نائب مساعد مفوض الشرطة والمسؤول المكلف بمتابعة المسيرات “أعتقد أنه إذا اجتمعت المجموعات (المختلفة) معا، فستحدث اضطرابات خطيرة”.
وأضاف للصحافيين “عملية الشرطة في مطلع هذا الأسبوع ضخمة”، وتابع أنها ستكون “صعبة ومفعمة بالتوتر”.
وقال منظمو حملة التضامن مع فلسطين إن مسيرة السبت ستبتعد عن النصب التذكاري للحرب بالقرب من مكتب سوناك في شارع داونينج، وستختتم عند السفارة الأمريكية على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات.
وقالت الشرطة إنها ستفرض منطقة حظر حول المناطق المرتبطة بأحداث الذكرى، في حين تم نشر حراسة غير مسبوقة من الشرطة على مدار 24 ساعة في النصب التذكاري منذ الخميس.
“مسيرات كراهية”
رغم أن المسيرات السابقة لحملة التضامن مع فلسطين كانت سلمية بشكل عام، فإنه تم اعتقال أكثر من مئة شخص بسبب جرائم بما في ذلك إظهار الدعم لحماس، التي تصنفها بريطانيا منظمة إرهابية، أو حمل لافتات تحمل شعارات مسيئة.
وأثارت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، الوزيرة المسؤولة عن الشرطة، جدلا بعد وصف الاحتجاجات بأنها “مسيرات كراهية”.
وتعرض رئيس الوزراء لضغوط من أعضاء مجلس العموم في حزبه لإقالتها بعد أن اتهمت الشرطة بازدواجية المعايير بشأن كيفية تعاملهم مع “الغوغاء المؤيدين للفلسطينيين”.
وقال سوناك نفسه إن احتجاج السبت لا ينم عن الاحترام، لكن يجب السماح له بالمضي قدما، على الرغم من أنه قال إنه سيحمل قائد شرطة لندن المسؤولية عن حماية أحداث الذكرى.
وعبر أعضاء في مجلس العموم عن قلقهم من أن الجماعات اليمينية المتطرفة ستسعى إلى استغلال المناسبة كذريعة للعنف.
ودعا ستيفن ياكسلي لينون، الزعيم المشارك السابق لرابطة الدفاع الإنكليزية، التي نظمت مظاهرات عنيفة في كثير من الأحيان مناهضة للإسلام، أنصاره إلى التجمع في العاصمة.
توتر سياسي
أُعلنت تعبئة أكثر من 1850 شرطيا بينهم عناصر من قوات أخرى في أنحاء بريطانيا للحفاظ على السلام. وسيُنشر 1375 عنصرا الأحد بموازاة مراسم وطنية في ذكرى يوم الهدنة، تقام عند نصب القبر الفارغ ويترأسها الملك تشارلز الثالث بحضور شخصيات من العائلة الملكية ومسؤولين سياسيين.
ولم تُسهم وزيرة الداخلية سويلا برافرمان في تهدئة التوتر عندما اتهمت الشرطة بأنها أكثر تعاطفا مع ما يطلق عليه الاحتجاجات اليسارية مقارنة بغيرها. ودعم الفلسطينيين سياسة قائمة منذ وقت طويل لليسار السياسي في بريطانيا.
وبرز خلاف هذا الأسبوع بين الحكومة وشرطة مدينة لندن، ودعا وزراء إلى حظر المسيرة ما أثار مخاوف من تدخلات سياسية في عمليات الشرطة.
وحذر سوناك قائد شرطة لندن مارك راولي من أنه سيحمله “المسؤولية” عن قراره السماح بتنظيم التظاهرة المناهضة لحرب إسرائيل وحركة حماس.
وكان زعيم المحافظين قد اعتبر التظاهرة “استفزازية ومعيبة”، غير أن المنظمين رفضوا الدعوات لإرجائها.
وقال راولي في وقت سابق هذا الأسبوع إن التظاهرة التي ينظمها “ائتلاف أوقفوا الحرب”، لا تبرر الطلب من الحكومة منع تنظيمها.
فرانس24/ رويترز/ أ ف ب